كتب: ايهاب الزلاقى
يعمل المصورون الصحفيون على الخطوط الأولى دائما عند تغطية أى قصة إخبارية كبرى، ولكن المشكلة أنه خلال وقت انتشار فيروس كورونا المستجد فإن هذه الخطوط الأولى مغلقة.
ومنذ ظهور الحالات الأولى فى مدينة “ووهان” الصينية فى ديسمبر الماضى، سرعات ما تحول فيروس كورونا إلى أكبر الأزمات الصحية التى تواجهها البشرية فى العصر الحديث وفقا لتوصيف منظمة الصحة العالمية، مع إصابة مئات الآلاف بالفيروس وارتفاع أعداد حالات الوفاة إلى عشرات الآلاف فى مختلف دول العالم، وكان الحل الوحيد المتاح هو تنفيذ العزل الطوعى أو الإجبارى على مئات الملايين من البشر فى أرجاء المعمورة، وبينما تقاتل الحكومات للقضاء على انتشار الفيروس تم إغلاق الحدود بين الدول، وأغلقت المدارس والشركات وجلس أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية فى منازلهم.
يشكل هذا الوضع تحديا كبيرا للمصورين الفوتوغرافيين، الذين يجب عليهم أن يقوموا بتوثيق أزمة شعارها العام هو “التباعد الاجتماعى”، وارتداء القناع هو الرمز السائد لها. وكما يقول جوستين سوليفان مصور وكالة جيتى الشهيرة: “الأمر يشبه توثيق حالة الجفاف العام منذ أربع أو خمس سنوات، الجميع يذهب لتصوير بعض الأرض الجافة المتشققة، واليوم لا توجد الكثير من الطرق لتوضيح تأثير الفيروس، والأمر يختلف تماما عن تصور كرات الفيروس ترتد عن الحائط”.
ورغم ذلك يندفع المصورون الصحفيون فى جميع أنحاء العالم خلف القناع العال لتوثيق الحياة فى عالم كورونا، فى الوقت الذى يتخذون فيه كافة الاحتياطات لضمان السلامة الشخصية والنفسية أيضا. مجلة “ويرد” الالكترونية قامت باستعراض بعض الأعمال المميزة فى هذا الإطار والتى نستعرضها خلال السطور المقبلة.
الصين
متطوع من منظمة “بلو سكاى ريسكيو” أكبر منظمة إنسانية فى الصين والتى تضم أكثر من 30 ألف عضو يعملون فى البحث والإنقاذ والرعاية الطبية، يقوم بتطهير مجمع سكنى فى العاصمة بكين. تصوير: كيفين فراير / جيتى
لا يستطيع المصور “كيفن فراير” أن يتذكر وقتا فى حياته أكثر تعقيدا أوصعوبة من هذا الوقت، وهو ما يدل على “شدة القصة” كما يقول. فبعد قيام الحكومة بإغلاق مدينة ووهان، تحركت لحماية العاصمة بتقييد حركة السكان وفرض العزل لمدة 14 يوما على أى شخص يدخل من الخارج، ومنذ ذلك الحين انفصل الرجل لمدة 30 يوما عن زوجته، ومع إغلاق المدارس كان يقضى ساعات طويلة كل يوم فى متابعة تعليم ابنه البالغ من العمر ستة أعوام. مؤكدا أن أمن وسلامة العائلة يأتى أولا، وأنه إذا لم يستطع الصحفى أن يوفر التعاطف والتواصل مع العائلة فمن المستحيل أن يوفر هذا الأمر لعمله.
كان فراير يلتقط الصور عندما يستطيع، على الرغم من صعوبة الحركة والقيود. المستشفيات محظور تصويرها، ومن الصعب دخول الشقق والمكاتب، ولا يرغب الناس فى الاختلاط مع الغرباء، الأمر الذى يقلل ما يمكن رؤيته. وعلى الرغم من ارتدائه الملابس الواقية والوقوف على مسافة مناسبة من المصادر الصحفية إلا أنه يواجه الصعوبات رغم ذلك حيث لا يرغب أبدا فى فرض نفسه على الناس أو أن يجعلهم غير مرتاحين.
وعلى الرغم من هذه العقبات عمل فراير على إنشاء سجل توثيقى للحياة فى بكين حيث يتعامل الناس مع الفيروس، من الأهالى الذين يحاولون فقط عبور الأزمة إلى المتطوعين فى عمليات التطهير والمواجهة المباشرة، ويقول المصور: “الفكرة الأساسية الثابتة هى القناع الطبى، لذا أحاول تخيل الموقف وإدراج العناصر التى تعطى إحساسا بالمكان أو الأجواء”.
إيطاليا
مواطن يشارك فى حشد موسيقى غنائى من المنزل لرفع الروح المعنوية فى روما. تصوير: يارا ناردى/ رويترز
على بعد أربعة آلاف ميل من الصين، اعتادت “يارا ناردى” مصورة رويترز عدم مغادرة منزلها دون ارتداء الكمامة الواقية والقفازات وحمل المناديل المطهرة لمسح الكاميرا. انغمست ناردى فى قصص فيروس كورونا بعد إعلان الدولة أول إصابة مؤكدة فى 23 يناير، لتبدأ الحالات بعدها فى الانتشار على نطاق واسع للغاية لدرجة تجاوزت أعداد الصين، ومع الحجر الإلزامى سقطت الساحات التى كانت تمتلىء بالحركة والنشاط فى صمت غريب.
تقول ناردى، “غالبا ما يكون العمل مليئا باللحظات الفردية والانفرادية، ولكن رواية قصة فيروس كورونا من هذا المكان تظهر أن العزلة قد توسعت لتشمل العالم كله”.
مواطن يرتدى كمامة واقية وهو يتجول فى ساحة القديس بطرس بمدينة الفاتيكان خلال كلمة البابا الأسبوعية التى بدأ فى إلقائها عبر الإنترنت للمساهمة فى احتواء الفيروس. تصوير: يارا ناردى/ رويترز
بالنسبة إلى ناردى، من المهم توثيق “المساحات الفارغة الرائعة” فى إيطاليا مباشرة، من ساحة القديس بطرس فى الفاتيكان، وحتى كاتدرائية دومو فى ميلانو، ولكنها فى الوقت نفسه عملت على توثيق لحظات التضامن والتواصل الرائعة كما هو الحال عندما شارك سكان روما عبر نوافذهم فى عرض موسيقى. وتقول ناردى: “إن تغيير الطريقة الكلاسيكية فى سرد القصص ليس بالأمر السهل، لا نستطيع أن نرى الفيروس بالعين المجردة، ولكنه فى الواقع يمتلك العديد من الوجوه”.
واشنطن
سيدة تتحدث على الهاتف مع والدتها التى تقيم فى مركز رعاية صحية بالقرب من سياتل، بعد إجراء الأم اختبار الإصابة بالفيروس. تصوير: ديفيد رايدر/ رويترز
إضفاء الطابع الإنسانى على أزمة ضخمة ومجردة مسألة صعبة، ولكنها أكثر صعوبة فى مركز الرعاية الصحية بكيركلاند بالقرب من سياتل، فى الولايات المتحدة حيث يقطن “ديفيد رايدر” مصور رويترز. دار الرعاية هى واحدة من المراكز التى تفشى فيها الفيروس فى الولايات المتحدة والتى أدت إلى وفاة 35 من سكانها. بطبيعة الحال لا يتم السماح للمصورين بدخول الدار أو الاقتراب منها، وهو ما يجعل الأمر “شديد الصعوبة للحصول على صورة إنسانية وحميمية ومؤثرة” كما يقول رايدر.
للقيام بالتغطية، يقف رايدر بالقرب من ساحة الانتظار بقدر ما يستطيع الاقتراب لتوثيق النشاط الخارجى للمبنى، ومع ذلك يستطيع المصور أن يلتقط بعض الصور للمرضى بالداخل، وفى الوقت نفسه يحاول أن يكون حساسا محترما لطبيعة الموقف وهو يروى فى الوقت نفسه قصة ذات أهمية تاريخية كبيرة. يقول رايدر: “هناك حدود أخلاقية لما يمكننى تصويره، أقوم أحيانا بالتقاط صورة أشعر أنها مقبولة، ولكنها تظهر أحد الأشخاص داخل غرفة النوم مثلا، لذا يجب أن أراجع الأمر مع أفراد العائلة لأتحقق من ملائمة النشر”.
كاليفورنيا
ركاب السفينة “جراند برنسيس” يستعدون للمغادرة فى ميناء أوكلاند، تم رفض دخول السفينة ميناء سان فرانسيسكو فى 5 مارس بسبب تفشى فيروس كورونا على متنها. تصوير: جوستين سوليفان/ جيتى
فى مدينة سان فرانسيسكو، وجد جاستن سوليفان طريقة مختلفة لتقليل المسافة بينهم وبين القصة، بدأ الرجل فى تغطية الأزمة المتصاعدة منذ أواخر فبراير الماضى عندما بدأ الفيروس فى الانتشار فى الولايات المتحدة، ولكن كان كل ما يستطيع توثيقه هو تصوير “البشر يرتدون الكمامات أو أرفف المحال الفارغة” كما يقول.
لكن وصول السفينة “جراند برنسيس” إلى مياه خليج سان فرانسيسكو وعد بالمزيد من العمل، ولكن عندما رست السفينة أخيرا فى ميناء أوكلاند بعد حرمانها من دخول ميناء سان فرانسيسكو بسبب تفشى الفيروس عليها، وجد المصور نفسه عالقا فى منطقة محددة للتصوير على بعد مئات الأقدام بعيدا عن السفينة.
لذلك قام سوليفان باستخدام “الدرون” –طائرة دون طيار- التى يستخدمها فى المواقف الصعبة لترتفع فوق السفينة بنحو 250 قدما لتسجيل لحظات نزول الركاب، الذين كانوا أكثر إرهاقا مما كانوا عليه عندما صعدوا إليها أول مرة. ووجدت إحدى هذه الصور طريقها إلى الصفحة الأولى لجريدة “نيويورك تايمز”. ويقول سوليفان: “التواجد فى مركز الحدث أمر شديد الأهمية بالنسبة لى، ومن المهم أن أكون دائما فى الخط الأمامى للمعركة.