كتب: إيهاب الزلاقي
مع الانتشار واسع النطاق لفيروس كورونا على مستوى العالم، تأثرت جميع قطاعات الأعمال بالإجراءات الاحترازية ومنع السفر وحظر التجوال فى غالبية دول العالم، بطبيعة الحال هناك قطاعات تأثرت بشكل أكبر من غيرها مثل قطاعات السفر والسياحة، ولكن لم تسلم القطاعات الأخرى من التأثر، بما فى ذلك قطاع الإعلام. وعلى الرغم من صعوبة دراسة مستوى التأثر بدقة فى هذا الوقت المبكر، إلا أن بعض الأرقام بدأت فى الظهور لتعطينا فكرة على تأثير الفيروس على الإعلام فى المستوى العالمى.
وفقا لما نشرته جريدة نيويورك تايمز الأسبوع الماضى فقد انخفض إجمالى الإنفاق على الإعلانات الرقمية لشهرى مارس وإبريل بنسبة 38 فى المائة عما توقعته الشركات، كما انخفض الانفاق الإعلانى على التليفزيون بنسبة 41%، وانخفض على الراديو بنسبة 45%، وانخفض بنسبة 43% على المطبوعات، و51% على اللوحات الإعلانية والمنصات الخارجية وغيرها، وذلك وفقا للأرقام التى أعلنتها مجموعة الإعلان التفاعلى IAB.
جزء كبير من هذا التوجه يعود لرفض العديد من العلامات التجارية الشهيرة أن تظهر إعلاناتها بجوار الأخبار المتعلقة بالفيروس، وهو الأمر الذى أكده بيان رسمى نشره اتحاد الناشرين فى بريطانيا: “فى الوقت الذى شهدت فيه جميع المؤسسات الإعلامية طلبا متزايدا على المحتوى فى الفترة السابقة خاصة مع تميزه بالجودة العالية، إلا أن نفس الفترة شهدت ظهور القوائم السوداء التى تحظر نشر الإعلانات جنبا إلى جنب مع القصص المتعلقة بالفيروس. وإذا استمر الوباء لمدة ثلاثة أشهر أخرى، فمن المتوقع أن تبلغ الخسائر الإجمالية للمؤسسات الإخبارية نحو 50 مليون جنيه استرلينى”.
وفى رسالة مفتوحة نشرت فى بريطانيا، طالبت صناعة الأخبار الموحدة من المعلنين إزالة قوائم حظر نشر الإعلانات عن وسائل الإعلام الموثوقة لضمان قدرتهم على الاستمرار فى إنتاج وتمويل الصحافة عالية الجودة فى وقت الأزمات الوطنية.
وعلى الرغم من هذه الأوضاع السيئة، إلا أنه وسط هذه التراجعات توجد بعد الأخبار الجيدة، منها على سبيل المثال أن الارتفاع فى استهلاك الأخبار يساهم أيضا فى ترويج فكرة الدفع مقابل الأخبار، وهو ما يبدو واضحا من تزايد الاشتراكات فى العديد من وسائل الإعلام المختلفة.
على سبيل المثال، يكتب جيفرى جولدبرج رئيس تحرير مجلة “أتلاتنك” فى مذكرة داخلية للعاملين عن الأرقام القياسية التى شهدتها المجلة خلال شهر مارس: “لم يكن لدينا قط، فى تاريخ هذه المجلة البالغ 163 عاما عدد من الجمهور مثلما شهدنا فى شهر مارس، 87 مليون زائر فريد للموقع الالكترونى، وأكثر من 168 مليون مشاهدة للصفحات، ولكن الرقم الأكثر أهمية وتأثيرا هو أن العمل الجيد جلب ما يزيد عن 36 ألف مشترك جديد على مدار أربعة أسابيع فقط، حتى مع إتاحة المحتوى الخاص بتغطية فيروس كورونا مجانا، وهذا الرقم يعنى أن القراء وجدوا المعلومة والتفسير فى التغطية التى نقدمها….”.
أتاحت “أتلانتيك” التغطية الخاصة لفيروس كورونا مجانا أمام جميع القراء، ولكنها فى الوقت نفسه حرصت على تذكير الجمهور أن إنتاج الصحافة الجيدة لا يتم مجانا، من خلال وضع شريط فى نهاية المقال يقول: “إذا أردت أن تدعم هذه التغطية المهمة. عليك بالاشتراك”. ويبدو أن الجمهور ينسى تماما أن إنتاج الأخبار يكلف الأموال، إلا أن العديد من الناشرين الآن أصبحوا أقل خجلا بشأن الإعلان عن وسائل الاشتراك، وفى بعض الأحيان أهمية الاشتراك.
هذا الوضع يطرح مجموعة من النقاط للمناقشة، تخيل إنك تدير نشاطا تجاريا مربحا، ويمر هذا النشاط بوقت عصيب حيث تنخفض الإيرادات بشكل مفاجىء وكبير، ثم فجأة يظهر اهتمام جديد بالمنتج الذى تقدمه ويرتفع الطلب على هذا المنتج (كما يحدث حاليا بالنسبة للأخبار)، هنا يمكن أن تجد فرصة لاستعادة بعض الإيرادات الضائعة. وهنا تقرر توزيع هذا المنتج مجانا!
كيف يكون هذا الأمر مفيدا لاستراتيجية الأعمال؟
رغم أن الموقف غريب، إلا أن هذا هو ما تفعله معظم الصحف الأمريكية خلال أزمة فيروس كورونا، فعندما بدأ انتشار الوباء قامت غالبية هذه الوسائل الإعلامية بفتح الوصول إلى المحتوى الخاص بالتغطية للجميع دون اشتراك. وأصبح بالإمكان قرائتها عبر الإنترنت سواء كنت مشتركا أم لا.
هناك اعتقاد بين قادة الصناعة أن الدعاية الجيدة التى تولدها الصحف التى تظهر الاهتمام بصحة الجمهور خلال أوقات الأزمات ستؤدى إلى الحصول على اشتراكات مدفوعة فى المستقبل، رغم أن هذه التوقعات لا تستند على أرقام أو أبحاث علمية. فى الواقع تشير التقديرات الواقعية فى حالة مثل تغطية الأعاصير فى الولايات المتحدة عندما أتاحت العديد من المطبوعات محتواها مجانا، لم تجتذب بعد انتهاء الأزمة الكثير من الاشتراكات المدفوعة.
ولكن هناك بعض البيانات التى تقول إن الناشر إذا أتاح أنواع محددة من المحتوى، واستخدم بع ذلك بوضوح إعلانات قوية تحث المستخدم على الاشتراك لمتابعة القراءة، فإن القراء يشتركون بالفعل.
هناك نظرية أخرى تقول إن الناس لا تدفع فقط فى مقابل المحتوى، ولكن هناك مجتمع كامل يتشكل حول الرسالة العامة التى تقدمها المؤسسة الإعلامية، بالإضافة إلى حالة الولاء للعلامة التجارية، وهو أمر يدفع الناس للدفع حتى لو كان المحتوى مجانيا، ونذكر هنا نموذج الجارديان البريطانية.
وفى كل الأحوال، يجب على الناشرين العثور على التوازن المطلوب. فمن جانب فإن الزيادة الكبيرة فى الترافيك وعدد زوار الموقع مسألة جيدة تماما للترويج وتعريف المزيد من القطاعات بالعلامة التجارية الخاصة بك وجودة المحتوى الذى تقدمه. وفى المقابل، يمكن للمؤسسات الذكية أن تستغل هذه الفترة فى جذب الجمهور للاشتراك فى الرسائل الإخبارية، أو حتى الاشتراك المدفوع.
من المتوقع أن يظهر المزيد من المعلومات حول الوضع فى الاشتراكات المدفوعة خلال الشهرين المقبلين، هل ستستفيد المؤسسات الإعلامية من الزيادة الهائلة فى عدد الزوار خلال الأزمة؟ وهل ستتمكن المؤسسات من الحفاظ على ولاء عدد كاف منهم ليشتركوا؟ هذه أسئلة مبكرة ولكنها مهمة لاستكشاف كيفية تعافى الصحافة من واحدة من أكبر الأزمات التى تواجهها.